“ثلاجة” الإجازة القضائية تجمد قضايا المحاكم شهرين

img

العالي: الإجازة ليست السبب الوحيد لتكدس أعداد كبيرة من الدعاوى

العصفور: القضاة يتعرضون لضغط شديد يؤثر سلبا على سير القضايا

غنيم: بالإمكان احتواء الإجازة في شهر أغسطس “والأعلى للقضاء” قادر

خلف: تكلفنا أموالا… وبعض الموكلين “يصيفون” ولا يدفعون الأتعاب

الشريطي: لا تأثير بحقوق المتقاضين والقضاء المستعجل مفتوح طوال العام

مع اقتراب فصل الصيف تفتح المحاكم ثلاجتها الباردة لتضع فيها جميع القضايا المنظورة أمامها، لتبقى في سبات يستمر قرابة الشهرين سنويا، ماعدا بعض المحاكم والتي تستمر في العمل نيابة عن الباقين لتنظر القضايا العاجلة أو ذات الأهمية القانونية.

ومن هذا المنطلق فقد استطلعت “البلاد” عددا من المحامين حول رأيهم بخصوص الإجازة القضائية، والتي من المقرر أن تتوقف ابتداء من هذا العام بالنسبة لمحاكم التنفيذ والتجارية والإيجارية، وانتقد البعض منهم هذه الإجازة الطويلة والإجبارية ورفضوا بذات الوقت إلغائها كونها حق مشروع للقضاة ويعتبرها بعض المحامين “استراحة محارب” يستعيد فيها القاضي والمحامي كل منهم طاقته التي بذلها طوال عام كامل، ويمكن الاكتفاء بشهر واحد فقط بدلا من شهرين تقريبا.

فيما رفض آخرون المشاركة في الاستطلاع بدعوى أن الإجازة القضائية محل خلاف بين المحامين مما قد يتسبب عند إبداء الرأي في هذا الموضوع إلى “زعل” البعض منهم، واعتبرها بعضهم “ضيف غير مرغوب فيه” لما يتخلف عليهم من مسؤوليات أهمها الأمور المالية.

واتفق غالبية المستطلَعين الموافقين على إلغاء الإجازة القضائية على حرية اختيار القضاة لأوقات إجازاتهم بالتنسيق مع المجلس الأعلى للقضاء، بما لا يخل بسير العمل، ليتم احتواء مرفق القضاء وتجاوز عقبة تعطل القضايا، في حين اعتبر آخرون أن ذلك سيتسبب بـ “ربكة” في تحقيق العدالة.

وحول هذا الموضوع قالت المحامية ريم خلف إنه لا يوجد أي مبرر للإجازة القضائية الطويلة، وأنه يمكن الاكتفاء بمدة شهر واحد فقط، ويكون بالتزامن مع باقي المحاكم، وليس بشكل منفرد.

وبينت أن الإجازة القضائية تتسبب بالكثير من الخسائر تجاه المحامين؛ كون أن معظم الناس يعتقدون بأنه ليس هنالك جدوى في رفع الدعاوى في هذا الوقت، ما يدعوهم لتأجيل دعاواهم إلى ما بعد فترة الإجازة، مما يجعلها عبئا علينا، حيث إننا ملتزمون سواء في فترة الإجازة أو غيرها بدفع رواتب الموظفين وإيجار المكاتب وغيرها من المصاريف.

ولم تنفِ خلف أن المحاكمة تستقبل خلال فترة الإجازة الدعاوى الجديدة، وكلما كان تقديمها مبكرا حصل المحامي على موعد أقرب بعد انتهاء الإجازة، والعكس صحيح.

كما لفتت إلى أن الكثير من الموكلين يتقاعسون في فترة الإجازة عن سداد أتعابنا، خصوصا في السنوات الأخيرة، إذ يتذرعون بأن المحامين في فترة إجازة، فلم الدفع لهم الآن طالما لا توجد جلسات، وبعدها يرفضون الدفع أصلا بحجة قدوم شهر رمضان المبارك وعيدي الفطر والأضحى والعودة للمدارس، والمصيبة أننا نتفاجأ بأن بعضهم يسافرون مع عوائلهم لقضاء الإجازة الصيفية ويرفضون الدفع لنا بسبب الإجازة القضائية!

واعتبرت أن التأجيلات ما بين الجلسات في الفترة الحالية أصبحت قصيرة ولا تتعدى 3 أسابيع مما يجعل إجراءات التقاضي سريعة، لكن إذا ما صادفت دعوى وأثناء سيرها وصول فترة الإجازة القضائية، فإنه سيتعطل النظر فيها مدة أطول ما يعطل بدوره حقوق المتقاضين. أما بالنسبة لمحكمة التنفيذ، فإن إجراءات التنفيذ بطيئة جدا في الأيام العادية ولا يختلف ذلك عن الإجازة القضائية على حد تعبيرها.

وتعتقد خلف أنه في حال تم وقف تزامن الإجازة القضائية بين جميع المحاكم، فإن ذلك سيؤثر ذلك سلبا على القضايا المنظورة، إذ إن نظرها من قبل أكثر من قاضي يؤدي إلى ضياع حق المتقاضين جراء تأجيلات كثيرة بين القاضي والآخر واختلاف وجهات النظر في اتخاذ القرارات من قاضٍ لآخر في قضية واحدة.

من جهته، قال المحامي إسلام غنيم إن الإجازة القضائية فترة “استراحة محارب” لكل من القضاة والمحامين بعد موسم قضائي شاق وطويل، وإنها فرصة للمحامين لترتيب أوضاعهم وتجهيز أنفسهم للموسم الجديد، منتقدا بشكل خاص مدتها الطويلة، والتي تصل إلى شهرين، يبتعد خلالها المحامين والقضاة عن أجواء العمل الفكري القانوني.

ويتضرر المتقاضين حسب غنيم بسبب تعطل إجراءات السير في الدعاوى، خصوصا وأنهم -أي المتقاضين- يسعون للوصول إلى أحكام عاجلة تحسم منازعاتهم وتقضي مصالحهم وحقوقهم المعطلة بتنفيذها على وجه السرعة، ونظرا لتعطل معظم المحاكم في هذه الإجازة، فإنه يترتب عليها تعليق الفصل في المنازعات و”موت الحقوق” لمدة شهرين إلى حين أن تعود حركة المحاكم إلى طبيعتها.

ولا تخضع أيٌّ من المحاكم المستعجلة والتنفيذ لأي نوع من أنواع الإجازات؛ نظرا لملامستها اللصيقة لحقوق المتقاضين ولا يمكن تأخير الفصل فيها، كما أن النظام الإلكتروني لتنفيذ الأحكام لا يتأثر كثيرا بالإجازات، إذ إن عمل تلك الملفات رهين بوجود قاضيي تنفيذ على الأقل؛ لذا فإنه لا يتأثر كثيرا بسبب الإجازة القضائية، بحيث يكون أحد القاضيين متوفرا على مدار الساعة لاتخاذ القرارات المستعجلة بشأن الإجراءات التنفيذية المتعلقة بالأحكام المستعجلة، مبينا أن مأموري التنفيذ لهم دور كبير في سرعة تنفيذ الأحكام؛ لذا فمن باب أولى ألا يخضعون هم كذلك للإجازة القضائية مع عمل المداورة المستمرة بينهم لضمان وجودهم ومعاونتهم لقضاة التنفيذ طوال فترة الإجازة القضائية.

ونظرا للتزايد المستمر في أعداد القضاة الخاضعين للتأهيل والتدريب والإعداد المستمر للعمل في مختلف المحاكم، فبالإمكان عمل جدول بالإجازات يحدد من خلاله المجلس الأعلى للقضاء إجازات كافة القضاة على مدار السنة بشرط ألا تتجاوز شهرا واحدا -أغسطس مثلا- وبذات النظام المعمول به حاليا، ويكون عملهم بالتناوب بين من هم في ذات نوع المحكمة والدرجة الوظيفية لتغطية الغياب في المحاكم، وهذا يضمن استمرار عمل جميع المحاكم على مدار السنة، والمجلس قادر على ذلك.

ويعتقد غنيم أن المملكة تزخر بعدد كاف من القضاة والمستشارين لأداء تلك المداورة، مؤكدا قدرة المجلس الأعلى للقضاء على وضع الآلية المناسبة لذلك ضمن إستراتيجيته الفعالة الحالية؛ وذلك لضمان سرعة البت في المنازعات القضائية كافة.

من جهته، اتفق المحامي علي العصفور مع المؤيدين لتقصير مدة الإجازة القضائية بدلا من إلغائها، والتي تتوقف فيها غالبية المحاكم عن العمل، ما يسبب حالة من الركود بالنسبة للمحامين، كما أنها تساهم في إطالة أمد التقاضي، إذ إن الخصوم قد ينتظرون قرابة 3 أشهر فقط لحين صدور الحكم.

كما تسير عجلة إجراءات تنفيذ الأحكام بشكل بطيء جدا في فترة الإجازة القضائية؛ نظرا للضغط الكبير الذي يتعرض له القضاة، ولهذا فإن منح القضاة الحرية في الخروج لإجازة في الأوقات التي تناسبهم قد يكون بالأمر الجيد بعد التنسيق مع إدارة المحاكم بهذا الصدد؛ حتى لا يؤثر خروجهم على سير عملية التقاضي، لافتا إلى عدم وجود أي مبرر لمنح جميع المحاكم الإجازة في وقت واحد، خصوصا وأن غالبية القضاة حاليا بحرينيين الجنسية.

وطالب بدراسة مسألة وقف تزامن الإجازة القضائية بالنسبة لجميع المحاكم بشكل متأن لمعرفة إيجابياته وسلبياته وطرق معالجة أي خلل حتى لا يتأثر عمل المحاكم بذلك، مقترحا جدولة الإجازات بالنسبة للسادة القضاة؛ لضمان استمرارية العمل.

بدوره لم ينكر المحامي علي العالي حق القضاة في الحصول على فترة تركيز ونقاهة والترويح عن النفس أو الحصول على فترات تدريبية وفرصة لتطوير الذات في فترة الإجازة القضائية، إذ إنه نظام معمول به في كل الأنظمة القضائية لدول العالم، فضلا عن أن المحامين أنفسهم وبالإضافة لما ذكر أعلاه يعتبرونها فرصة لإعادة هيكلة وتنظيم مكاتبهم، هذا من ناحية إيجابية.

أما السلبيات المترتبة عليها تتمثل بتأخير الفصل في الدعاوى المنظورة أمام القضاء، إذ يتم ترحيل بعض قضايا شهر مايو ويونيو من الناحية العملية تؤجل لشهر سبتمبر أو حتى ما بعد ذلك، الأمر الذي يؤثر حتما على العدالة الناجزة في ظل النهضة التي تمر بها البلاد وزيادة أعداد المنازعات أمام القضاء، والتي تتطلب بطبيعة الحال الدقة والسرعة في آن واحد.

ولا يمكن بخس القضاة حقهم؛ كونهم يبذلون جهودا مضاعفة في الفصل بالمنازعات نظرا للتزايد المستمر لأعداد الدعاوى سنويا بشكل مطرد.

وقال إن فترات وأوقات الإجازة القضائية تختلف بشكل جزئي من نظام قضائي لآخر، فبعضها يحددها اعتمادا على حلول شهر رمضان والآخر تكون عطلة صيفية، وأيا كان الاختلاف، فإنه ليس ثمة ما يبرر الفترات الطويلة للإجازة القضائية، إذ تؤثر بشكل سلبي بطبيعة الحال على حقوق المتقاضين وسرعة حسم المنازعات.

وفي نظر العالي أن إلغاء الإجازة القضائية قد يساهم في سرعة حسم ملفات الدعاوى، لكنها لن تكون السبب الوحيد في تكدس الدعاوى وإطالة أمد التقاضي، وإنما هنالك جملة من الأسباب، منها قلة عدد القضاة وطاقم الموظفين؛ كون أن تعداد ملفات التنفيذ قياسا بالدوائر المعينة لنظرها يفوق بكثير الطاقة الاستيعابية لإدارة التنفيذ وعدد القضاة وإمكاناتهم.

واقترح توفير كادر إداري وظيفي يتناسب مع مقدار الدعاوى حتى يجني قرار إلغاء الإجازة القضائية ثماره، كما أن استمرار عمل المحاكم طوال العام له مردود اقتصادي واجتماعي، فضلا عن القضائي وخدمة المتقاضين، إضافة إلى سرعة وسهولة الإجراءات تبعا لذلك.

أما المحامي غالب الشريطي كان له رأي مخالف حول تقليص مدة الإجازة القضائية أو العيوب التي قد يقال عنها إنها عيوب، فالإجازة على حد قوله لا تؤثر على سير القضايا، إذ يوجد قاض لتسيير الإجراءات القضائية والأمور، تنظمه أحكام قانوني المرافعات المدنية والإجراءات الجنائية، وأن اللجوء للقضاء المستعجل جائز في أي وقت في العام حتى في الإجازات والعطل الرسمية، كما أن تنفيذ الأحكام مضمون بقوة القانون وعلى أيدي الشرطة كجهة تنفيذ.

ولفت إلى أن الإجازة القضائية تخص القضاة وأعضاء النيابة العامة الذين تسرى عليهم أحكام قانون السلطة القضائية. أما العاملون الإداريون بالمحكمة أو النيابة العامة، فيخضعون لأحكام قانون ديوان الخدمة المدنية، وأن الإجازة القضائية تقليد عريق ومن الخطر منح القاضي حرية اختيار وقت إجازته، ولا يمكن الخروج عن هذا التقليد، إذ إنه يؤدي إلى الإضرار بالمتقاضين أمامه.

وأوضح أن قرار إلغاء الإجازة القضائية لن يساهم وحده في تحقيق ما ننشد من العدالة الناجزة، حيث سبق وأن أصدر المجلس الأعلى للقضاء تعميما بشأن مدد تأجيلات الدعاوى، بحيث لا تتجاوز أكثر من 3 أسابيع، مع بعض الاستثناءات القليلة، وكذلك عدم تكرار تأجيل الدعوى أكثر من مرة للسبب ذاته.

وأشار الشريطي إلى أنه تم زيادة أعداد الدوائر القضائية وكذلك القضاة وتم إدخال التكنولوجيا في المحاكم، بالرغم من أنه في حال إلغاء الإجازة القضائية للمحاكم، فإن ذلك يصب في المصلحة العامة؛ لأنه يمنع تراكم القضايا أمام المحاكم ويضمن سرعة تحقيق العدالة.

جريدة البلاد

http://albiladpress.com/newspaper/3888/576859.html