الحماية الجنائية لمعلومات ووثائق الدولة

img

العنوان أعلاه يثير قضية بالغة الأهمية والخطورة وهي تتعلق بوثائق الدولة، أية دولة كانت، وضرورة حماية وثائقها ومعلوماتها باعتبارها الذاكرة التاريخية والسياسية للدولة، أية دولة، ومن هنا كانت الدول المتقدمة تحرص على الحفاظ على معلوماتها ووثائقها لأنها ذاكرتها التاريخية وركيزة مستقبلها.

وفي إطار هذه القضية صدر كتاب قانوني حديث هذا العام 2018 بنفس عنوان المقال أعلاه من تأليف باحث قانوني متمكن ومحام شاب هو إسلام عبد الرحمن غنيم وهذا الكتاب يقدم دراسة مقارنة بين الوضع في عدد من الدول وبوجه خاص في كل من البحرين ومصر. ويقع الكتاب في 333 صفحة. وينقسم إلى فصلين، الأول، تمهيدي يناقش فيه قضية الحق في الاطلاع على المعلومات والوثائق. والباب الأول يحمل عنوان «ماهية معلومات ووثائق الدولة والمكلفين بحمايتها»، ويشتمل على فصلين، كل منهما يضم ثلاثة مباحث. الباب الثاني، بعنوان «الجرائم الماسة بمعلومات ووثائق الدولة في التشريع البحريني المقارن»، ويضم بدوره فصلين كل منهما يحتوي على عدّة مباحث، فالأول يضم ثلاثة مباحث، والثاني يضم خمسة مباحث. ثم ينتهي الكتاب بخاتمة تقدم الاستنتاجات والتوصيات وبعد ذلك قائمة المراجع. ويقدم الباحث ملخصين للكتاب الأول بالعربية في الفصل التمهيدي والثاني بالإنجليزية في نهاية الكتاب.

ولا يتسع مثل هذا المقال الموجز لعرض كامل عن الكتاب ولكنني أكتفي بمجموعة من الملاحظات المهمة ذات الصلة الوثيقة بالموضوع والباحث.

الأولى: إن الباحث اعتمد على مجموعة كبيرة من المراجع بلغت ثلاثين كتاباً مرجعياً فضلاً عن عدّة رسائل جامعية ومجموعة من البحوث والأحكام القضائية والاتفاقيات والمواثيق الدولية، كما اعتمد على عدّة دساتير وهي من تونس والأردن والمغرب ومصر والبحرين والقوانين الصادرة في البحرين والسعودية وسلطنة عمان والأردن ولبنان واليمن فضلاً عن عدد من المعاجم والقواميس النحوية والمواقع الإلكترونية، وهذا يظهر حرص الباحث على التدقيق والتحقق والمقارنة بين أوضاع الدول العربية المعنية بصدد الموضوع.

الثانية: تتعلق بتعريف معنى الحماية الجنائية ومعنى وثائق ومعلومات الدولة وأهمية الدراسة ومشكلتها والتساؤلات التي تطرحها الدراسة. وهذا يجعلنا نشيد بالمنهج العلمي في البحث وهو ما حرص عليه الباحث تماما مما يجعلني استنتج بأن الدراسة ربما كانت هي محور رسالة الماجستير واعتمد الباحث علي ثلاثة مناهج رئيسية هي المنهج التحليلي والمنهج الاستنباطي والمنهج المقارن.

الثالثة: إن كلا من الفصل التمهيدي والخاتمة قدما ذخيرة علمية موجزة لقارئ هذا الكتاب البالغ الأهمية. فالفصل التمهيدي عرض لأهمية الدراسة ومناهجها والتساؤلات التي يطرحها موضوعها. أما الخاتمة فقد قدمت عدة استنتاجات مفيدة ويمكن اختصارها لاعتبارات المساحة في حقيقتين مهمتين أولاهما: حق المواطن في الاطلاع على المعلومات. وثانيتهما: واجب المواطن والدولة في الحفاظ على المعلومات ذات الطبيعة السرية ومن ثم ضرورة احترام القانون وتنفيذه بحذافيره في صدد تلك المعلومات.

أما التوصيات فقد وجهها الباحث في المقام الأول للمشرع البحريني وهي 13 توصية من 20 توصية. فالباحث خريج جامعة البحرين في القانون والماجستير ولكن التوصيات أيضاً شملت موقف المشرعين في كل من الأردن والسعودية وسلطنة عمان. وهذا هو محور المنهج المقارن بين التشريعات في عدة دول عربية وخاصة خليجية لانتماء الباحث للمنطقة وخبرته المباشرة في قوانينها وتشريعاتها.

الرابعة: إن الباحث كان دقيقاً في بحثه متقناً للغة العربية واتسمت صياغته بسهولة العبارات ووضوح المعاني رغم صعوبة الموضوع وقلة البحوث العلمية الخاصة به. ومن هنا فإن هذه الدراسة المقارنة تمثل إضافة نوعية للمكتبة القانونية العربية بوجه عام ومكتبة البحرين القانونية بوجه خاص.

الخامسة: إن الباحث كان واضحاً في إبرازه لأهمية الدراسة وهي تنبع من ثلاثة اعتبارات أولها: قلة المعلومات والمؤلفات الخاصة بالموضوع، وثانيها إنها دراسة مقارنة بين بعض الدول العربية وخاصة البحرين وبعض دول مجلس التعاون، وثالثها: إن عالم اليوم كما هو عالم الأمس يتسم فيه البشر بالفضول العلمي اليوم أكثر بعشرات المرات من فضول الأمس وهناك مؤسسات دولية، مؤسسات المجتمع المدني البحثية مهمتها السعي للحصول علي المعلومات من هذه الدولة أو تلك. والاستفادة من القصور البشري في الحفاظ على سرية المعلومات. وبذلك فالدراسة تسعى لتوعية المواطن والموظف العام والمؤسسات الرسمية في هذا الشأن. وبذلك فالباحث يقدم خدمة جليلة للبحرين بوجه خاص وللدول العربية بوجه عام.

ونختتم هذا المقال بالإشادة بالباحث والتهنئة بهذه الدراسة القيمة الممتازة في مادتها العلمية وأسلوبها المنهجي المتعددة والرجوع للمصادر من منابعها ومقارنة المادة العلمية ومقارنة وسائل حماية المعلومات والوثائق الخاصة بالدولة كركيزة للنظام السياسي والقانوني فعالم القرن الحادي والعشرين عرف ظاهرة تسريب المعلومات السرية ونستذكر ذلك المحلل في الاستخبارات الأمريكية إدوارد سنودن الذي هرب وأفشى بعض الأسرار من الوثائق السرية الأمريكية بخصوص عدة دول وقد احتضنته روسيا.

ويهمنا التأكيد على حقيقة أنه ليس كل المعلومات الرسمية هي ذات طبيعة سرية وأحيانا كثيرة يقع الخلط بين ما هو سري وما هو متاح من مصادر علنية كثيرة في عالم مفتوح السماوات والإعلام الجديد. ولذا أهمية التمييز في قيمة وسرية المعلومات لاختلاف درجة سريتها وهو ما أصبح مسألة مهمة منذ صدور مبادئ ويلسون للرئيس الأمريكي الأسبق في أثناء الحرب العالمية الأولى وقيام عصبة الأمم ثم الأمم المتحدة والنص في ميثاقها على تسجيل الوثائق في الأمم المتحدة حتى يتم الحفاظ بها والرجوع إليها من الباحثين والدول للاستفادة منها بطرق متعددة. كما ينبغي أن نستذكر أن معظم الدول تحتفظ بالوثائق السرية لمدة 30 أو 50 عاما ثم تفرج عنها وتصبح مباحة لمن يرغب من الباحثين والأكاديميين.

* خبير الدراسات الاستراتيجية الدولية

جريدة الوطن

https://alwatannews.net/article/778326?rss=1